روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | التربية بالوصف القرآني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > التربية بالوصف القرآني


  التربية بالوصف القرآني
     عدد مرات المشاهدة: 2260        عدد مرات الإرسال: 0

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إقضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن لايترك البشرية دون أن يرسلهم لهم رسولاً يبلغهم الدين ويرشدهم إلى الصراط المستقيم، وأنزل مع كل رسول معجزة تكون دليلاً وبرهاناً على صدق نبوته وبيان رسالته، وكانت معجزات الأنبياء عليهم السلام كلٌ من فن القوم الذين أرسل إليهم، فموسى عليه وعلى نبينا السلام آتاه الله عزوجل معجزة تفوق السحر الذي إشتهر وإنتشر في قومه، فكان جواب السحرة لما ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون: {قالو آمنا برب العالمين*رب موسى وهارون}، وعيسى عليه السلام إشتهر قومه بالطب فآته الله عزوجل معجزات تفوق الطب وتتجاوزه، كما قال سبحانه ممتناً على عيسى عليه السلام: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين} [المائدة:110].

وكان قوم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم العرب يفتخرون بالبلاغة ويحبون الشعر ويفتخرون بالشعراء ويعدوهم مفخرة للقبيلة، وكانت تقام الأسواق الأدبية التي تفاخر بها العرب كسوق عكاظ وذي المجاز وغيرها، فأرسل الله عزوجل رسوله بهذه المعجزة الخالدة التي هي من جنس الكلام العرب فلا هو شعر فيجاروه ولاهو نثر فيباروه، وهو من صميم كلامهم الذي ألفوه، فلم يستطيع أن يأتوا بمثله، وقد تحداهم الله عزوجل على مراحل فمن ذلك: تحدي العرب أرباب البلاغة والفصاحة أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال سبحانه: {قل لئن إجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء:88].

ثم تحداهم الله عزجل أن يأتوا بعشر سور فقال سبحانه: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [هود:13].

ثم تحداهم الله عزوجل أن يأتوا بسورة واحدة فقال سبحانه: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [يونس:38].

وكل من أراد أن يجاري القرآن لم يستطع إلى ذلك سبيلاً كمسيلمة الكذاب وغيره من الكذابين.

فهذا الكتاب المعجز فيه أصل كل خير، فينبغي لنا معاشر المربين أن نعود إليه ونتلمس تربيتنا منه وننطلق منه وإليه.

ما أنزل القرآن كيما تقتنى *** منه التمائم في صدور الرضع

ما أنزل القرآن كي يتلى على *** قبر تمدد فيه ميت لا يعي

ما أنزل القرآن إلا منهجاً *** للناس يهدف للنعيم الأمرع

تستنبط الآيات من أحكامه *** ويكون للتشريع أفضل مرجع

والحديث عن التربية بالوصف القرآني هو حديث قديم وله أصل في أخبار سلفنا الصالح، فمن ذلك ما روي أن الأحنف بن قيس كان جالساً يوما فجال في خاطره قوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم} فقال: عليَّ بالمصحف لألتمس ذكري حتى أعلم من أنا ومن أشبه؟

فمر بقوم {كانوا قليلاُ من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم} ومرَّ بقومٍ {ينفقون في السرَّاء والضرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} فمرَّ بقوم {يؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} ومرَّ بقوم {يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} فقال تواضعاُ منه: اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء، ثم أخذ يقرأ، ومر بقوم {إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} ومرَّ بقوم: يقال لهم {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين} فقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء، حتى وقع على قوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} فقال: اللهم أنا من هؤلاء.

فإهتمام الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح في تربية أنفسهم على كتاب الله سنة رسول الله كان من أصول التربية، وأسس الثبات على المنهج، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه وكان القراء -أي أهل القرآن- أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا، فقال عيينه لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فإستأذن لي عليه، فاستأذن فأذن له عمر، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل. فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها وكان وقافا عند كتاب الله تعالى، وأمثلة هذا كثير في سير أئمتنا الكرام وسنأتي على جزء منها في آخر المقالة.

ومن الطرق العملية والخطوات التربوية في تدبر القرآن والتربية على الوصف القرآني ما ذكرته الدكتور رقية العلواني في بحث بعنوان: تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق، ويمكن تلخيصه في الخطوات التالية:

1= تعليم المتعلم عادات وسلوكيات قرآنية منذ نعومة اظافرة، كتنظيم الوقت وإستغلالة بشكل صحيح، وربط تلك السلوكيات بآيات القرآن وإعطاء المتعلم -حسب الفئات العمرية- تدريبات من القران الكريم ليستنبط منها تلك السلوكيات، ومن ذلك التركيز على الأخذ بالقصص القرآنية في التربية والتعرف على الكون والحيوان والنفس من خلال النظر في آيات القران الكريم لينشأ الجيل على الربط بين القران والكون والنفس.

2= توفير البيئه اللازمة لتنمية تدبر المسلم من خلال نبذ التقليد وتوعية الناس بأهمية التفكير السليم والعودة الى كتاب الله وتدبرة وترك الفرقة والتراع والبعد عن التكبر عن قبول الحق والاصغاء الى الحق فالحكمة ضاله المؤمن انى وجدها فهو اولى الناس بها.

3= تفعيل وسائل التدبر الإداركية للنفس والتي أهمها السمع وهو اساس العلم المنقول، وقد امر الله به واثنى على اهله واخبر ان لهم البشرى. قال تعالى: {واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين}.

4= ادراك القارئ بانه مخاطب من القران واياته كما خوطبت بها السابقون، الامر الذي يجعل القارئ يلتفت الى الايات ويتدبر فيها طالما انه إستشعر انها موجهة له، يقول ابن القيم في ذلك: اكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلو من قبل ولم يتعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القران، ولعمر الله ان كان اولئك قد خلو فقد ورثهم من هو مثلهم او شر منهم او دونهم وتناول القران كتناوله لاولئك.

5= الإهتمام بالتأني في التلاوة فلا يكن هم القارئ ان ينتهي من السورة او الجزء بل ليكن همه الاول فهم المعاني وتدبرها، ويمكن الإستعانه بالاعادة والتكرار للآيات في سبيل تحقيق ذلك.

6= الاهتمام باللغة العربية والرجوع الى المعاجم لمعرفة معاني الكلمات التي تشكل عليه، إضافه الى ضرورة النظر الى كلام العلماء وقراءه ما كتبوا في تفسير القران الكريم، فلا ياتي التدبر دون فهم المعاني.

7= معرفه المعنى الإجمالي للايات في البداية وذلك من بعض التفاسير المعتمدة المختصرة التي تتناول معاني الكلمات بإجمال دون ضرورة الوقوف على التفاصيل والخوض في المطولات والشروح والروايات.

8= الإهتمام بالقراءه الشمولية لايات القران وقصصه وحواراته دون القراءه التجزيئية التي تنتزع كلمة او اية معينه من سياقها لإثبات راي معين أو إستخلاص حكم معين.

9= الإهتمام بالمناسبات والروابط بين الايات والسور وهو علم دقيق تعرف به وجوه إرتباط اجزاء القران بعضها ببعض.

10= الإهتمام بمقاصد السور واهدافها فللقران مقاصد واهداف ولكل سوره مقصد خاص بها.

11= إنشغال القلب والعقل بإيات القران والحياة معها وصرف الذهن الى الاجواء والظروف التي نزلت فيها.

12= عمل دورات وورش عمل تطبيقية بشرف عليها المتخصصون في تدبير القران وتشجيع ذلك، خاصة في مواسم المسابقات الدولية لحفظ القران والتي تقام في انحاء متعددة من دول العالم الاسلامي.

13= إستحضار اهمية العمل والتطبيق لما يتدبره المسلم ومايتوصل اليه في واقعه وحياته حتى يصبح القران واقعا نحياه وسلوكا عمليا نسير على هداه.

فهذه الخطوات العملية للتربية على الوصف القرآني بحاجة إلى تطبيق، خذ مثلاً آيات عباد الرحمن وهي الآيات من 63-77 من سورة الفرقان أو بداية سورة المؤمنون وطبق عليها مثل هذه الخطوات العملية لتصل بنفسك إلى رقي درجات التربية وتمكن من تعديل سلوكك وفق مراد الله سبحانه وتعالى.

اختم بحديثين عن الصحابة رضوان الله عليه في كيفية تربيتهم لأنفسهم على كتاب الله، فمن ذلك ما رواه ابن مسعود، قال: كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ، والعملَ بهنَّ.

وروي عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُول: لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ وَأَحَدُنَا يَرَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ نُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا، كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ، وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقْلِ.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا، اللهم اجعل القرآن حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، اللهم إجعلنا ممن يقرؤه فيرقى ولا تجعلنا ممن يقرؤه فيزل ويشقى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين...

الكاتب: همام بن عبدالرحمن الحارثي.

المصدر: موقع صيد الفوائد.